ثقافة و فن

عتمة وفضاء قفر : ''الهاربات'' تكشف وجوه الفقر والتهميش في المجتمع التونسي (فيديو)

 احتضنت قاعة الفن الرابع بتونس العاصمة يوم الثلاثاء 25 نوفمبر 2025، ضمن عروض المسابقة الرسمية للدورة السادسة والعشرين من أيام قرطاج المسرحية، عرضين لمسرحية "الهاربات" تأليف وسينوغرافيا وإخراج وفاء الطبوبي، إنتاج مشترك بين المسرح الوطني التونسي وشركة الأسطورة للإنتاج بدعم وزارة الشؤون الثقافية.

منذ البداية، تنطلق المسرحية بلحظات قلق وانتظار، حين يجتمع على الركح ستة شخصيات جسدها كل من فاطمة بن سعيدان، منيرة الزكراوي، لبنى نعمان، أميمة البحري، صابرين عمر، وأسامة الحنايني، في فضاء محطة الحافلة التي طال انتظارها ولم تأتِ بعد. هذا الانتظار والفضاء الفارغ يصبحان نقطة انطلاق لتعرية ونقد الظواهر والمشاكل الاجتماعية في مجتمعنا، من رسوخها إلى تأثير السياسة السلبية عليه.
 
شخصيات تنطق بواقع الطبقات الكادحة
اختارت وفاء الطبوبي فضاءً قفرًا مظلماً لتبعث فيه الحياة بأداء ممثلين محترفين أبدعوا في تجسيد شخصياتهم المختلفة، التي ترمز للطبقات الاجتماعية الكادحة المتضررة من النظام الرأسمالي الجشع.
عاملة النظافة المسنّة (فاطمة بن سعيدان)
الأستاذة النائبة (صابرين عمر) التي تنتظر انتدابها رسمياً من الدولة
خريجة الحقوق (أميمة البحري) تحلم بممارسة مهنة المحاماة لكنها تستنزف كمساعدة
العاملة بمصنع خياطة (لبنى نعمان)
المرأة التي تجمع القوارير البلاستيكية (منيرة الزكراوي)
الشاب المطلق والمطارد قضائيًا بسبب عدم قدرته على خلاص النفقة (أسامة الحنايني)
رمزيات هذه الشخصيات كانت كافية لتسليط الضوء على الظواهر السلبية في المجتمع، من الفقر والتهميش إلى البنية التحتية المهترئة والمخاطر البيئية، وطرح أسئلة وجودية حول الهوية والمصير.
تم بناء الأحداث بدقة، حيث تتطور العقدة تدريجيًا وتبلغ ذروتها قبل كل نهاية مشهد. على مدار ساعة ونصف، تحملنا وفاء الطبوبي في رحلة مليئة بالألم لكنها ممتعة، مزروعة بلمسات قصيرة من الأمل، تتجلى في منطوق عاملة النظافة بالمنازل التي أبدعت في أداء دورها، لتكون الترياق لكل وجع تقريبًا في العمل.
نكهة وفاء الطبوبي: مزج بين الإبداع والرسالة الاجتماعية
قدمت المخرجة طبقًا من النقد الساخر ممزوجًا ببهارات فنية خاصة، منح المسرحية نكهة مميزة قريبة من أعمالها السابقة. تم الجمع بين اختيار الممثلين المناسبين واختيار فضاء قفر وعتمة لعبت فيه الإضاءة كما تشاء، لتحوّل الشخصيات في مدّ وجزر مشوق كان نبراس المشاهد طوال الرحلة المسرحية، التي شرّحت المجتمع وجعلت المتفرج يتخيّل ما يجب أن يكون.