آراء

لماذا "شيطنة" السبسي الآن؟ ولمصلحة من؟

 اهتمت صحف ومواقع الكترونية وصفحات فايسبوك، بالجدل السياسي وحرب "التموقع" الجارية في حزب "نداء تونس"، وذلك بمناسبة إعداد القائمات للانتخابات التشريعية القادمة. لكن اللافت للانتباه، هو التركيز المبالغ فيه على شخصية رئيس الحزب الباجي قائد السبسي. من خلال تضخيم دوره، وابرازه كما لو أنه "الحاكم بأمره" في الحزب. وأن رأيه وقراره فوق كل مؤسسات الحزب، برغم أن "النداء" ما زال في طور التأسيس، ولا يمتلك مؤسسات مستقرة ومنتخبة. بقدر ما ان القرار فيه ما زال بيد أقلية من الهيئة المؤسسة، خاصة رئيس الحزب. الذي تم تفويضه من قبل "أهل الحل والعقد" في "البحيرة – حيث المقر المركزي – في أكثر من مناسبة لاتخاذ القرارات الكبرى دون الرجوع اليها.

بعيدا، عن كل تضخيم ل "سي الباجي" كما يحلوا لقطاع واسع من التونسيين مناداته. فان حركة "نداء تونس" ارتبطت به من حيث النشأة والتطور وكذلك الانتشار. وستبقي كذلك الى حين اتمام كافة مراحل تأسيس حزب يقوم على مؤسسات شرعية – منتخبة- في مختلف العيئات والمؤسسات، وهي عملية مؤجلة الى حين الانتهاء من المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، أي الى ما بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية. قبل انتهاء هذه المرحلة، تبقي سياسات وخيارات ومواقف "نداء تونس" في مجملها بيد رئيسه ومؤسسه، وهو تقريبا حال أغلبية الأحزاب التونسية حتى التي مر على بعثها عشريات كاملة. فهي ما تزال تسير وتتخذ قراراتها من قبل الرئيس وهو في الغالب المؤسس التاريخي للحزب. وهو ما ينسحب على السبسي في "نداء تونس". نظرا للمواصفات التي تتوفر في شخصيته، من جهة التجربة والخبرة والمعرفة بانتظارات التونسيين، خاصة في الحفاظ على المشروع المجتمعي التونسي. ما جعل الرجل يتحول الى حاضن ومجمع لروافد فكرية وايديولوجية مختلفة، تلتقي عند ضرورة المحافظة على استمرارية الدولة وصيانة المكاسب التقدمية التي تحققت، وأصبحت تميز الأنموذج التونسي.
مع أن "المبايعة" والاصطفاف حول السبسي، باعتباره الأقدر على حماية "النمط التونسي" لا تعني أبدا التبرير للسقوط في الاستبداد بالرأي. فانه وفي المقابل، نجد أن تكريس "الانضباط" مهمة اساسية في حياة مؤسسة الحزب، وهي ما أكد عليها الفيلسوف الايطالي أنطونيو غرامشي، في معرض تنظيره للشروط الضرورية لقيام "الحزب"، هذا "الأمير الحديث" في الممارسة السياسية الديمقراطية. وتصبح عملية "الانضباط" صعبة وشاقة، في حزب مثل "النداء" نظرا لتعدد وتناقض الروافد المكونة له. وهنا بدأ السبسي كما لو أنه يمشي بين الأشواك أو الألغام. فارضاء الجميع "غاية لا تدرك". كما أنه من الصعب أن يتخلص الرجل من ما يمكن أن نطلق عليه "شخصيته السياسية الأساسية"، نعنى هنا "التربية السياسية" للباجي. والتي تبرزمن خلال اصراره على أن يكون القرار الأخير بيده، وهذا طبعا لا ينفي الاستشارة أو الشورى. وهي "مكون" مهم في الممارسة السياسية للسبسي، يعرفها كل من اختار الانضواء في "النداء" أو مناصرته ودعمه عن بعد. فما المسكوت عنه اذن من وراء ما برز من انتقادات أخذت منحى "الحملة" المنظمة؟ تجاوزت نقد الممارسة السياسية للسبسي الى استهداف الرجل ومستقبله السياسي، المتمثل في الترشح للرئاسية؟
قرأت بكل "استغراب" و "ريبة"، ما كتب رئيس الجمعية التونسية للشفافية المالية سامي الرمادي في إصدار فايسبوكي . اذ كتب ما يلي: " كنت قلت منذ مدة إن الباجي قائد السبسي بصدد ارتكاب أخطاء إستراتيجية فادحة ستضر بالأحزاب الوسطية.
في رأيي يرجع ذلك من ناحية لأنانيته، إذ كل ما يهمه هو الدخول لقصر قرطاج كرئيس حتى ولو انفجر الإتحاد من أجل تونس... كما يرجع ذلك لتقدمه في السن، بحيث أصبحت قراراته عشوائية وغير مدروسة، و أحسن دليل هو فرض ابنه على دائرة تونس1 بطريقة ديكتاتورية صرفة عكس إرادة قيادي حزبه.على كل نتمنى أن يخرج حزبه بأقل الأضرار في الانتخابات التشريعية.. ولكن أصبح من المؤكد وجوب السحب الثقة منه في الانتخابات الرئاسية لصالح مرشح مستقل في مقتبل العمر قد يعلن قريبا عن ترشحه رسميا للانتخابات الرئاسية."
مثل هذا القول، ودون السقوط في منطق المؤامرة أو "التلميع" المبالغ فيه للسبسي –وهذا ليس من دورنا ولا نرتضيه لأنفسنا كمراقب ومحلل مستقل – يتضمن تشكيك في "أهلية" الرجل، بسبب تقدمه في السن. وبالتالي دعوة – معلنة – لسحب "الأهلية" و "الثقة" منه. وهو في تعارض مع الواقع، شخصيا التقيت بالرجل مؤخرا ولم ألاحظ أنه يعاني من عائق بدني أو صحي، يعوقه عن ممارسة نشاطه السياسي. بل لاحظت – وهذا شهادة للتاريخ - قدرة ذهنية "فائقة" في الاطلاع على الواقع، وفي تحليل الشأن الجاري وفي ضبط السياسات، خاصة في العلاقة بمختلف مكونات الساحة التونسية –تحديدا المكون الاسلامي-، وبموقع ودور تونس في محيطها الاقليمي، وفي العالم وبطبيعة المخاطر التي تهددها، خاصة خطر الارهاب والجماعات المتشددة. ما جعلنى أتمسك بأن ما ذهب اليه "الرمايدي"، لا يخضع لجاذبية الأرض، وله فيه مارب أخري. ربما تصب في مصلحة مرشح اخر بدأ البعض من "جهات" و "زمر ضغط"...تهيأ للاعلان عنه. لكن قبل ذلك، لابد من ازاحة الباجي قائد السبسي من طريقه، لضمان تعبيد الطريق اليه نحو قرطاج.
سبق التشكيك في القدرة الصحية للسبسي، والتحذير من "خرف" التقدم في السن. بروز كتابات فيها "انتقاد" لاذع وغير موضوعي. فالرجل لم يتم اكتشافه للتو، فالجميع يعرف أفكاره وتاريخه والمدرسة السياسية التي نهل منها ومع ذلك رضوا به وروجوا له بل رأوا فيه "منقذا" لتونس. اختفت الانتقادات الموجهة للسبسي الأب وراء ترشيحه لابنه على رأس قائمة تونس1. ودون الخوض في صواب هذا الاختيار من عدمه، فهو يبقى شأنا حزبيا داخليا وكما يقال "أهل مكة أدري بشعابها". ولا يمكن اتخاذه ذريعة للحكم القطعي بأن "رجل العائلة انقلب على رجل الدولة". وهو ما تم تفنيده بعد جدل داخلي، وقبل "رجل العائلة" بالتنازل عن ترشيح ابنه، وانتصر بذلك "رجل الدولة". وهنا انتصر السبسي للديمقراطية داخل الحزب، وبين أنه فهم جيدا التحولات الجارية سواء داخل "نداء تونس" أو في الحراك الاجتماعي التونسي. وبين أنه ومثلما أدار البلاد في مرحلة حرجة من تاريخها وسلم السلطة لخصومه "السياسيين والايديولوجيين" بطريقة سلسه، فانه يمتلك من الحكمة ما لا يجعله يصر على مركزة القرار الحزبي حوله أو حول زمرة قريبة منه. وهو هنا يعبر عن مرونة سياسية، وقدرة على حسن ادارة الخلافات وحتى الصراعات. وهي الى جانب شخصيته الكاريزمية، ترشحه ليكون المرشح الأكثر حضوظا للفوز بالرئاسة في الاستحقاق الانتخابي المقبل. برغم بروز بعض حملات "الشيطنة" التي لا يتوقع أن يكون لها تأثير، نظرا لمحدوية أفق الواقفين ورائها.
 
بقلم: منذر بالضيافي