كتب - رشيد الكرّاي
من شروط ممارسة السياسة ضرورة اقترابها من عقلانية العقل وابتعادها عن هوس الأنا اللامعقول لأن المستقبل لن تنفع معه حلول الماضي التي زامنت ظرفيتها السياسية ، والتي أفرطنا في استهلاك مكتسباتها . غير أنه لا يمكن لنا بأي حال من الأحوال أن ننخدع بحِيل الدجل السياسي ، التي من خلالها يحاول البعض ضمان تموقعات جديدة لخدمة لوبيات مصالح العائلة الإخوانية الموسّعة التي يعلم الجميع سوء سوابقها وحجم جرائمها في حق الشعب التونسي .
العريضة الشعبية أمس الأول ، حزب المحافظين التقدميين بالأمس ، وتيار المحبّة اليوم هو كيان سياسي شديد السوء ولا يمثل الشعب التونسي العظيم الذي لا يستحق معارضة بهذه الانتهازية والكذب والدجل والانحطاط وانعدام الحس والشعور الوطني . هذا الحزب الهجين الذي يجمع فئة من المرتزقة والكذّابين والنصّابين حول شخص رئيسه المقيم في لندن لن يثق بهم الشعب التونسي مجددا ، وأجزم أنّه لن يصوّت لهم في الانتخابات القادمة وهو الذي كشف كذبهم وخداعهم وتجارتهم المفلسة بالدين وبعواطف الفقراء والمحتاجين ، بل وأسرّ لي أحد الذين صوّتوا لهذا الحزب في انتخابات التأسيسي بأنّه يفضّل نظام ابن علي الظالم وتجمّعه الفاسد على هذا الحزب بكذبه وعجزه وانتهازيته ، إذ لا خير في المرتزقة الذين يضمّهم ويشنّفون الآذان بخداع البرامج وسراب الوعود .
في آخر عملية من عمليات الدجل والغش السياسي والصخب الإعلامي المُصاحبة لها ، لهذا الحزب ، أطلّ علينا زعيمه انطلاقا من لندن بالطبع ، بتقليعة جديدة من تقليعات هذيانه وإسهاله السياسي الكثيرة ، يتعهّد فيها وهو الذي يعتقد أنّه المهدي المنتظر أو أوردوغان تونس التي سيصوّت له شعبها في الانتخابات الرئاسية ، ليكون رئيسا لهم بالإجماع ، ولحزبه القوّة السياسية الأولى لتحمّل أمانة الحكم في الانتخابات التشريعية ، بحلّ مؤسستي الإذاعة والتلفزة التونسيّتيْن التي يموّلهما أبناء الشعب من دافعي الضرائب على عكسه هو ، لأنّهما ببساطة لا يعاملان حزبه الذي يرى أنّه القوة السياسية الثانية في البلاد بعد الانتخابات الأولى مع أنّها تفتّت في ظرف أسابيع قليلة بعدها ، بما يليق من مقامه وحجمه وتأثيره على الأحداث الجارية في الوطن ، مع أنّه “أنعم” على البلاد والعباد بنوّاب ولسخرية القدر أنّ التاريخ سيذكرهم ، بأنّهم من مؤسسي الجمهورية الثانية وواضعي دستورها من أمثال القصّاص والزواغي
هو لا يدري أنّه بمثل هذه المواقف الصبيانية قد رسم لنفسه ولحزب “الغلبة” وليست المحبّة الذي يرأسه نهايته السياسية ، فالشعب التونسي لن يغفر له هذا الكلام ، إذْ ما الفرق بينه وبين جماعة النهضة في اعتصام التلفزة سنة 2012 وتلويحهم بخصخصة المرفق العام لعدم رضاهم على تغطية أنشطتهم حزبا وحكومة وتسويقهم لتلك العبارة الشهيرة “إعلام العار” ؟؟
ما أتاه “زعيم المحبّة” من غريب شطحاته القديمة الجديدة ، يؤكد حقيقة أنّ ممارسة السياسة دون حدّ أدنى من الوفاء بالعهود الأخلاقية ، ليست إلاّ سبيلا يصطنعه البعض حفاظا على مصالحه الشخصية غير مكترث بمصير هذا الوطن. ومع ذلك أعتقد جازما بأنّنا نحيا اليوم الزمن المناسب لرد الاعتبار للممارسة السياسية النبيلة دون تغليط ودجل وشعبوية بائسة أو دسائس . فمعارضتنا لفساد واستبداد قوى العائلات ومراكز النفوذ بالأمس ، والتدين السياسي اليوم لا تعني إطلاقا الاستسلام للوبيات “الاستغلال” و “الارتزاق” و “الصعلكة”.