كتاب " كنتُ في الرقة ، هارب من الدولة الاسلامية " للكاتب الصحفي هادي يحمد و الذي صدر يوم 23 مارس المنقضي عن دار نقوش عربية سجّل نفاذ جميع نسخ الطبعة الأولى ( 1500 نسخة ) خلال فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب في انتظار توفير طبعة ثانية بمناسبة معرض سوسة للكتاب الذي تنطلق أيام دورته اليوم 9 أفريل
يتناول الكتاب سيرة ذاتية لشاب تونسيّ في مراحل طفولته ، صِباه و مراهقته إلى غير ذلك .. ينتمي إلى احدى التيارات الدينية المتطرفة مما كان سببا في بلورة حلمه بالهجرة الى الدولة الاسلامية التي لا يُظلم فيها أحد على حد تصوره بدايةً قبل تمكنه من تحقيق حلمه و اكتشافه في ما بعد لحقائق و مسائل في صلب انتماءه لإحدى كتائب داعش في سوريا من شأنها أن تبعث في نفسه شكوكا تفند كل ما كان يؤمن به حول شرعية الدولة الاسلامية.
و تعرض الكتاب إلى العوامل التي جعلت من شاب يتصف بالخُلق و التديّن السويّ ينخرط شيئا فشيئا في انتهاج توجهات متشددة مثل دور أئمة المساجد و الخيمات الدعوية و التضييقات الأمنية و ما انجرت عنها من عداوة بين طرفي القوات الأمنية و التيارات الدينية المتشددة و مظاهر التعذيب التي تعرّض إليها و فترة سجنه التي اختلط فيها بأفراد محسوبين على الجماعات الارهابية.
و من ثم تفاصيل الهجرة إلى سوريا للالتحاق " بأرض الجهاد " بعد المحاولات المتكررة و التي باءت بالفشل في تجاوز حدود التراب التونسي ليسرد بعد ذلك تفاصيل الدولة الاسلامية التي عايشها من الجانب التنظيمي و الممارساتي و الإخلالات التي رصدها من قِبل الدولة الاسلامية ليقرر أخيرا الهروب من الجحيم الذي كان يعتبره قبلا " الجنة الموعودة ".
الرواية عموما تمثل تماسا مباشرا أو غير مباشر لأمثلة عدة شبان خضعوا لنفس التجربة أو حاذوا بحافتها أو لهم مِن ذويهم مَن عايشها ، إضافة إلى أنها مرآة يقارن بها كل شخص نفسه فإنها أيضا كتاب توثيقي لفترة ما قُبيل و بعد الثورة التونسية في ما يتعلق بالعوامل المشتركة التي أدت إلى انتهاج الشباب في هذا الطريق مما نتج عنه أن التونسيين هم الأكثر نسبة في صفوف المقاتلين في صفوف الدولة الاسلامية (داعش) من مختلف أصقاع الأرض بالتوازي مع بعض الأحداث الارهابية التي جدت بتونس .
هذا في ما يُعنى بمضمون الكتاب ، أما من الناحية الأدبية فإن عنوان " كنت في الرقة ، هارب من الدولة الإسلامية " طويل بعض الشيء من باب أن فيه تأكيدا على تعلق الموضوع بالدولة الإسلامية و هنا قد ينجر حكم مسبق بأن الكتاب يندرج ضمن خانة الكتب التجارية التي تستغل ظاهرة " داعش " كواجهة لترويج كتابات هشة و خالية الوفاض إلا أن حقيقة و بعد اكتشاف ثنايا الكتاب فإنه يُعتبر إضافة إلى الساحة الثقافية و الإعلامية باعتبار أن كاتبه بالأساس صحفي.
الرواية مغدقة في السرد تماما و مع ذلك لا يملّ القارئ رغم تتالي تفاصيل الأحداث و بساطة اللغة و قد يعود ذلك إلى واقعية هذه التفاصيل و ترابطها المنطقي في ما بينها و خلفية الكاتب الصحفية حيث تجدر الإشارة أن هذه السيرة الذاتية هي نقل لشهادة حية ، شهادة " محمد الفاهم " شخصية الرواية للصحفي مباشرة على إثر التقاءهما في تركيا و تحويلها من عمل صحفي إلى عمل إبداعي و عموما هذا النوع من الروايات التوثيقية لا يكون إلا هكذا مغدقا في السرد لطرح الوقائع كما هي تقريبا.
إن اختيار محمد الفاهم للهجرة إلى الدولة الاسلامية مبني على انتماءه الى التيارات المتشددة كما انه بدأ ينتهج طريق التديّن منذ صباه مما يسهّل أمر تبنيه لهذا التوجه خاصة بعوامل الخطابات الدعوية من جهة و التضييقات الأمنية من جهة أخرى .. و على ذلك فإن ما لم يتعرض له الكتاب هو الأسباب التي تجعل من الشباب الذين لا صلة لهم بهذه التيارات ينساقون كذلك ، بل الأسباب التي تدفع بالشباب الذين لا صلة قوية لهم بالدين إلى الهجرة " للجهاد "
و أخيرا محمد الفاهم على إثر اكتشافه لتفاصيل مهمة من شأنها عدوله عن مواصلة الجهاد ضمن تنظيم الدولة الإسلامية و هروبه منها لم نظفر بخطوة محمد الفاهم المقبلة ، هل هرب من توجهه المتطرف إلى توجه اكثر تطرف بهروبه من الدولة الاسلامية ، هل عدّل نسبيا في توجهه .. عديدة هي الأسئلة لا يعلم إجابتها إلا محمد الفاهم الذي كان في الرقّة ، الهارب من الدولة الإسلامية .. كتاب على كل تونسي أن يقرأه.
امير وسلاتي