تحتفل تونس اليوم بالذكرى الثامنة والستين لإعلان الجمهورية، وهو اليوم الذي مثّل منعطفًا تاريخيًا حاسمًا في مسيرة الدولة الحديثة، بعد إلغاء النظام الملكي في عام 1957 وتتويج الحلم الجمهوري بإرساء أسس دولة المؤسسات والقانون.
ويأتي هذا الاحتفال في ظل مرحلة دقيقة تمر بها البلاد، تتطلب من التونسيين الوقوف عند معاني الجمهورية، وقيم المواطنة، والعدالة الاجتماعية، والوحدة الوطنية، التي شكلت الركائز الأولى التي بُنيت عليها الجمهورية التونسية.
في مثل هذا اليوم من سنة 1957، أعلن الزعيم الحبيب بورقيبة – أول رئيس للجمهورية – عن نهاية العهد الملكي وبداية عهد جديد قوامه السيادة الشعبية والدولة المدنية. ومنذ ذلك التاريخ، شهدت تونس تحولات عميقة على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مرت بمراحل من الاستقرار كما الهزات، لكنها ظلت دائمًا وفية لتطلعات أبنائها نحو التحرر، والديمقراطية، والتنمية.
من الجمهورية الأولى بقيادة بورقيبة، إلى التحولات الكبرى بعد الثورة في 2011، ظلت فكرة الجمهورية حية في الوجدان التونسي، وإن تفاوتت في تمثّلاتها. فقد أسست الثورة لدولة أكثر انفتاحًا على التعددية والحقوق، وأعادت رسم ملامح العلاقة بين المواطن والدولة، رغم ما رافق المرحلة من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية.
وفي الذكرى 68، تبدو الحاجة ملحّة لإعادة ربط المواطن بجوهر الجمهورية: المشاركة الفاعلة، الحقوق المصانة، والواجبات المتبادلة، في إطار عقد اجتماعي جامع.
تتزامن هذه الذكرى مع تحديات اقتصادية صعبة تمر بها تونس، في ظل ارتفاع نسب البطالة والتضخم وتراجع القدرة الشرائية، وهو ما يفرض على الدولة ومكوناتها إعادة النظر في السياسات التنموية والاجتماعية، بما يعيد الأمل للتونسيين في مستقبل أفضل.
كما يظل الملف السياسي مطروحًا بقوة، في ظل النقاشات الدائرة حول مسار الحكم، ودور المؤسسات، ومكانة المعارضة، وهو نقاش حيوي في دولة اختارت لنفسها النظام الجمهوري كإطار للحكم.
وقد شهدت مختلف جهات البلاد، خلال هذه المناسبة، تنظيم فعاليات رمزية احتفاءً بالذكرى، شملت عروضًا ثقافية وتكريمات لشخصيات وطنية، وندوات فكرية تناولت مسار الجمهورية والتحديات المطروحة أمامها اليوم.
عيد الجمهورية ليس فقط مناسبة للاحتفال، بل هو دعوة للتأمل في الماضي، واستشراف المستقبل، وتأكيد على أن بناء الوطن مسؤولية جماعية لا تُختزل في لحظة أو شعار، بل تتجسّد في العمل اليومي، والوفاء للمبادئ التي قامت عليها الدولة التونسية الحديثة.