في ندوة صحفية احتضنها المركز الثقافي الدولي بالحمامات، عبّر مدير مهرجان الحمامات الدولي نجيب كسراوي عن موقف إدارة المهرجان إزاء الجدل المثار حول مشاركة الفنان الجزائري الشاب مامي، على خلفية إدانته السابقة في قضية عنف جنسي، وما تبعها من دعوات إلى المقاطعة.
وأكد كسراوي أن اختيارات المهرجان تقوم على معايير فنية بحتة، موضحًا: "نحن نقيم الفنانين وفق مسيرتهم الإبداعية، لا حياتهم الشخصية. لكل فنان رصيد فني يُنظر إليه من زاوية ما قدّمه من أعمال وما خلّفه من أثر في المشهد الثقافي، لا من خلال قضايا تم البتّ فيها قضائيًا".
وتوقف عند مفارقة أثارت انتباهه، متسائلًا: "لماذا لم يُطرح هذا الجدل عندما شارك الشاب مامي في دورة 2014، رغم أن القضية كانت لا تزال حديثة العهد؟ ما الذي تغيّر اليوم؟".
من جانبه، شدّد على أن المهرجان يحرص في برمجته على التنوع والتوازن، معتبرًا أن النقاش حول مشاركة أي فنان ينبغي أن يُطرح ضمن أفق ثقافي وفكري، لا في إطار أحكام جاهزة وانتقائية ظرفية.
لكن التصريح، رغم وضوحه، لم يُغلق باب الجدل، بل وسّع أفقه ليطال أسئلة أعمق تتجاوز الحالة الفردية. فالإشكال اليوم لا يتعلق فقط بفنان معين، بل بتحول في المناخ الثقافي والاجتماعي، حيث بات الجمهور أكثر وعيًا تجاه قضايا العدالة والمساءلة، وأضحت وسائل التواصل الاجتماعي منصات تضخيم وتوجيه للرأي العام.
في 2014، صعد الشاب مامي على نفس خشبة المسرح دون أن تُثار ضده حملة تُذكر، أما اليوم، فالسياق مختلف: الوعي الجمعي تغيّر، وسقف الانتظارات ارتفع، وباتت الأسئلة الأخلاقية تحتل موقعًا مركزيًا في التلقي الفني.
وهنا، تُطرح تساؤلات مشروعة لا من باب الإدانة، بل من باب مساءلة العلاقة بين الفن وأخلاقيات ممارسيه: من يضع المعايير؟ وهل يمكن فعلاً فصل الإبداع عن خلفياته الإنسانية والأخلاقية؟ وهل تغيّرنا نحن كمجتمع ثقافي، بينما ظلّ الفنانون على حالهم؟
أسئلة مفتوحة لا تبحث عن أجوبة جاهزة بقدر ما تستدعي نقاشًا أعمق حول طبيعة التلقي، وحدود التسامح، وما إذا كان بالإمكان – أو من المشروع – أن نحتفي بفنٍ منفصل عن صاحبه. وربما، في النهاية، لم يتغيّر الشاب مامي، لكننا نحن تغيّرنا. وهذا وحده كافٍ لإعادة ترتيب المشهد الثقافي.