تشهد الساحة الثقافية والفنية في تونس موجة جدل واسعة بعد منع نمطي الراب والمزود من بعض المهرجانات الصيفية. ويرى كثيرون أن هذا القرار يمثل إقصاءً غير مبرر لأنماط موسيقية شعبية تعبّر عن شرائح واسعة من المجتمع، في حين يدافع آخرون عنه بذريعة الحفاظ على "الذوق العام" وتفادي "المظاهر الفوضوية".
مهرجان سوسة يوضح: "الهدف إقصاء المشاكل وليس الأنماط الفنية"
في هذا السياق، أوضح معز كريفة، مدير مهرجان سوسة الدولي، في تصريح اعلامي أن قرار منع المزود والراب لا يندرج ضمن موقف معادٍ لهذين النمطين، بل يأتي لتفادي المشاكل التي وقعت في مهرجانات سابقة، مشيراً تحديدًا إلى أحداث مهرجان بنزرت الدولي في السنة الماضية. وبيّن أن الهيئة المديرة للمهرجان هي من اتخذت هذا القرار حرصًا على سير التظاهرة في ظروف آمنة ومنظمة.
نقيب الفنانين: "المنع طمس للهوية الفنية"
من جهته، شدد نقيب الفنانين ماهر الهمامي، على عدم صدور أي بيان رسمي بمنع الراب أو المزود، معتبراً أن ما يحدث في قرطاج وسوسة يشكل طمسًا للهوية الفنية التونسية. وأكد الهمامي أن الفن الشعبي والراب ليسا مجرّد أنماط موسيقية، بل هما انعكاس لواقع المجتمع ومكوّن أصيل من ثقافته.
سامي اللجمي: "احتقار التراث اللامادي نزعة استعلاء"
الفنان سامي اللجمي عبّر بدوره عن رفضه القاطع لهذا القرار، خلال مداخلة هاتفية في برنامج "كورنيش" على إذاعة موزاييك أف أم. وانتقد تصنيف المزود والراب ضمن خانة "الابتذال"، معتبرًا أن الأمر يكشف عن "نزعة استعلاء" لها جذور استعمارية. وصرّح اللجمي: "أنا مستاء مما رأيناه وسمعناه... وكأن هناك رسالة ضمنية مفادها أن النقيض للموسيقى الراقية هو المزود والراب، وهذا غير منطقي". وأضاف بسخرية: "يعني المزود ما يشرفناش؟"
الفن بين الهوية والذوق العام
يعكس هذا السجال تباينًا عميقًا في الرؤى حول معنى "الذوق العام" وحدود التعبير الفني في تونس. فبينما يعتبر البعض أن استبعاد الراب والمزود ضروري لحماية صورة المهرجانات، يرى آخرون أن أي إقصاء لفن هو إقصاء لشريحة من المجتمع تعبّر عن نفسها من خلاله.
كما أن الحديث عن "مشاكل" ترافق هذه الأنماط دون توضيح طبيعتها، يفتح الباب أمام التأويلات، ويضع الفنانين في موضع الاتهام دون محاكمة واضحة، مما يُضرّ بمناخ الثقة والعدالة في الساحة الفنية.
دعوة إلى الشفافية واحترام التعدد
في نهاية المطاف، تبقى المسؤولية على عاتق الجهات المنظمة للمهرجانات لتوضيح معاييرها وبرامجها الفنية، وتكريس مبدأ الشفافية والإنصاف. فالمشهد الثقافي في تونس لن يزدهر إلا باحتضان التنوع واحترام كل الأشكال الفنية، دون تصنيفات مسبقة أو أحكام إقصائية.