وطنية

تونس: أكثر من 100 ألف تلميذ في المدارس الابتدائية الخاصة سنة 2024

 كشف المرصد التونسي للاقتصاد، في دراسة حديثة حول واقع التعليم في تونس، عن دعم ممنهج للاستثمار الخاص في التعليم منذ عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وتحديدًا خلال فترات التعاقد مع صندوق النقد الدولي. وقد ساهم هذا التوجه في توسع كبير لقطاع التعليم الابتدائي الخاص على حساب التعليم العمومي، الذي يشهد تراجعًا في الجودة والبنية التحتية.

ووفقًا لأحدث المعطيات الصادرة عن وزارة التربية، بلغ عدد المدارس الابتدائية الخاصة في تونس 684 مؤسسة إلى حدود سنة 2023، موزعة على كامل تراب الجمهورية، بما في ذلك الجهات الداخلية مثل القيروان وسيدي بوزيد والقصرين، وهو ما يعكس توسع النشاط التعليمي الخاص خارج المدن الكبرى.

نمو غير مسبوق في التعليم الخاص

وسجّلت الفترة الممتدة بين سنتي 2013 و2018 نموًا هائلًا في عدد المدارس الابتدائية الخاصة، حيث بلغ معدل الزيادة 36%، في حين تجاوزت نسبة التطور خلال سنتي 2015/2016 حدود 70%. واعتبر المرصد أن هذا التوسع يتقاطع زمنيًا مع فترات توقيع تونس على قروض مع صندوق النقد الدولي، ما يشير إلى توجّه رسمي نحو تشجيع التعليم الخاص ضمن شروط التمويل الدولي.

غير أن هذا النمو بدأ يتباطأ منذ سنة 2019، ليستقر معدل الزيادة عند 4% فقط، وهو ما يعكس تشبعًا جزئيًا للسوق أو تغيّرًا في الأولويات الاقتصادية والاجتماعية.

التعليم العمومي في تراجع

في المقابل، تدهورت أوضاع المدارس العمومية بشكل ملحوظ، نتيجة ما وصفته الدراسة بـالإهمال المزمن للمنشآت والتجهيزات، ما جعلها عاجزة عن مجاراة النمو الديمغرافي وارتفاع عدد التلاميذ. وأشارت الدراسة إلى أن تدهور التعليم العمومي يتزامن مع توقيع اتفاقيات التمويل الدولية، ومنها اتفاق 2016 مع صندوق النقد الدولي، والذي رافقه تصاعد واضح في حضور التعليم الخاص.

وتُظهر الأرقام أن عدد التلاميذ في المدارس الابتدائية الخاصة قفز من 21,509 تلاميذ سنة 2009/2010 إلى 128,513 تلميذًا خلال الموسم الدراسي 2023/2024، أي ما يعادل ستة أضعاف الزيادة خلال 14 عامًا، في حين بلغ العدد الإجمالي لتلاميذ المرحلة الابتدائية في تونس نحو 1.3 مليون تلميذ، ما يعني أن 8% من الأطفال يرتادون المدارس الخاصة، بحسب تقديرات المرصد.

حوافز تشجّع الخوصصة

وتعود جذور هذا التوجه إلى الإطار القانوني الذي تم وضعه سنة 2008، بموجب مجلة الاستثمار والأمر عدد 1486 المؤرخ في 22 فيفري 2008، والذي منح امتيازات مالية وتشريعية للمستثمرين في قطاع التعليم، من بينها منحة استثمار تصل إلى 25% من كلفة المشروع، وتكفل الدولة بـ25% من أجور المعلمين لمدة 10 سنوات، بالإضافة إلى وضع أراضٍ على ذمة المستثمرين وتغطية مساهمات الأعراف.

انقسام واضح في المشهد التعليمي

ورأت الدراسة أن هذا التوسع في التعليم الخاص أدى إلى تعميق الفجوة بين التعليم العمومي والخاص، مشيرة إلى أن ما يحدث يعكس انقسامًا اجتماعيًا ومجاليًا متزايدًا في النظام التربوي التونسي. كما نبّه المرصد إلى أن استمرار هذا التوجه في ظل تدهور الخدمات العمومية، يهدد بمزيد من تفكك القطاع التعليمي العمومي وتراجع فرص تكافؤ التعليم بين الفئات.

وتأتي هذه المعطيات في وقت تواجه فيه تونس تحديات عميقة في منظومتها التربوية، أبرزها تدهور البنية التحتية للمدارس العمومية، ضعف التجهيزات، وغياب الموارد الأساسية، مما يزيد من اعتماد الأسر، خصوصًا من الطبقات الوسطى والعليا، على التعليم الخاص كبديل لتعليم عمومي آخذ في التآكل.