تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متزايد إعلانات لدورات تدريبية مكثفة تعد الشباب بأن يصبحوا "صحفيين محترفين" في غضون ساعات أو أيام قليلة. هذه الظاهرة تثير جدلًا واسعًا في أوساط المهنيين والأكاديميين، خاصة في ظل التساؤلات عن مدى جدّية هذه البرامج ومدى التزامها بمعايير المهنة.
غالبًا ما تَعِد هذه الدورات بـ"تكوين سريع وفعّال" في مجالات مثل الإعداد التلفزي، المراسلة الميدانية، أو التقديم الإذاعي، وتُسلّم شهادات مشاركة قد توحي بأن المتدرّب أصبح جاهزًا لدخول الميدان الإعلامي. في المقابل، يشكّك مختصون في مصداقية هذه الورشات التي كثيرًا ما تُنظّم دون إشراف أكاديمي أو صحفي مؤهل، معتبرين أنها تختزل مهنة تتطلب تكوينًا معمقًا وتجربة ميدانية في ساعات معدودة.
لا يُخفى أن المهنة تشهد انفتاحًا كبيرًا في العصر الرقمي، ما ساعد على بروز صحفيين شباب خارج الأطر التقليدية. لكن هذا الانفتاح فتح أيضًا الباب أمام تسويق وهمي لفكرة الصحافة كمهارة سريعة التعلّم، يمكن اكتسابها عبر حضور ورشة أو التفاعل مع محتوى على تيك توك.
في هذا السياق، تحذّر أصوات من داخل المهنة من أن الاستسهال قد يقود إلى نتائج خطيرة: تقديم غير المؤهّلين كمصدر للمعلومة، خلط بين الإعلام والترفيه، وتغييب للمعايير الأخلاقية والمهنية. إذ لا يمكن اختزال الصحافة في القدرة على الكلام أمام الكاميرا أو في إتقان تصميم العناوين، بل هي قبل كل شيء عمل يقوم على البحث، التحقق، الفهم العميق للسياقات، واحترام القواعد الأخلاقية.
كثير من الشباب يلتحقون بهذه الدورات بدافع الشغف، أو بحثًا عن مدخل سريع إلى المهنة، لكن سرعان ما يصطدمون بواقع لا يرحم: واقع لا يرحّب بالارتجال، ولا يمنح فرصًا لمن لا يتقن القواعد الأساسية للعمل الصحفي.
في النهاية، لا يمكن لأي دورة تدريبية، مهما كانت مكثفة، أن تصنع صحفيًا حقيقيًا ما لم تُبْنَ على تكوين نظري رصين وتجربة ميدانية مسؤولة، تحترم جوهر المهنة ومبادئها الأخلاقية.