على شاطئ قنطاوي المشمس في ولاية سوسة، شهد المصطافون حدثًا طبيعيًا نادرًا ومؤثرًا، حين خرجت 132 سلحفاة بحرية صغيرة إلى النور وسط دهشتهم وفرحتهم، لتبدأ رحلة شاقة نحو البحر تحت أنظار المارة الذين تحوّلوا إلى حماة طبيعة متطوعين.
كل شيء بدأ منذ أربعة أيام حين لاحظ أحد موظفي الفندق تحركات غريبة في الرمال. وبعد حفر دقيق، تم اكتشاف عش عميق يضم آخر السلاحف العالقة. وسرعان ما تدخل المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار، بقيادة الباحثة ألفة الشايب، التي أشرفت على عمليات الإنقاذ التي أسفرت عن فقس 132 سلحفاة من أصل نحو 140 بيضة.
في صباح صيفي مشمس، تحوّلت الرمال إلى مسرح لمعجزة طبيعية نادرة: ولادة هذه الكائنات الصغيرة وسط ذهول ودهشة المصطافين الذين وجدوا أنفسهم فجأة في قلب مشهد بيئي ساحر، لا تراه العين كل يوم.
بدأت القصة حين لاحظ أحد أعوان النزل حركات غير مألوفة في الرمل. بدافع الفضول والحرص، بدأ الحفر بلطف ليكتشف عشًا على عمق حوالي 50 سنتيمترًا، يحتضن ما تبقى من صغار السلاحف التي كانت تحاول الخروج للنور. سارع النزل إلى إشعار المعهد الوطني لعلوم وتكنولوجيا البحار، لتتدخل الباحثة ألفة الشايب، منسقة البرنامج الوطني لمتابعة السلاحف البحرية، وتقود عملية دقيقة بالتعاون مع الفريق المختص.
وفقًا للمعطيات، وضعت السلحفاة الأم قرابة 140 بيضة قبل أسابيع، فقست منها 132 بنجاح، وهو رقم مرتفع يعكس ظروفًا جيدة ونادرة للتكاثر في بيئة مفتوحة. وبينما كانت السلاحف تخرج واحدة تلو الأخرى، تدفق المصطافون حولها، بعضهم يوثق اللحظة بهواتفهم، والآخرون تركوا كل شيء لمساعدة هذه الكائنات الهشة على بلوغ هدفها الأول: البحر.
تحول المشهد إلى سلسلة بشرية، جمعت السياح والعائلات والأطفال وأعوان النزل وحتى المارة، لتأمين مرور السلاحف من الرمال إلى المياه، ومنع تشتتها بسبب الأضواء أو العراقيل الطبيعية.
إنها لحظة تختصر معاني التعايش، الوعي البيئي، وجمال الحياة في أبسط صورها، ودهشة الطفولة المتجددة أمام معجزات الطبيعة. وبينما كانت آخر سلحفاة تنزلق إلى البحر وتغيب في موجه الأزرق، بقيت الابتسامة على وجوه الحاضرين، وكأن كل واحد منهم حمل في قلبه شيئًا من ذاك الضوء الذي خرج من تحت الرمال.