اقتصاد

التحديث الصيني النمط كما أراه: قراءة سياسية وتنموية

 عندما أتيحت لي الفرصة للمشاركة في المنتدى الصيني العربي الثالث للسياسيين الشبان، شعرت أنني أمام تجربة فريدة تجمع بين حضارة عريقة ورؤية معاصرة للتنمية. "التحديث الصيني النمط" يظهر كاستراتيجية متكاملة تشمل النمو الاقتصادي، العدالة الاجتماعية، الاعتراف بالحقوق الوطنية والثقافية، والاستقرار السياسي.

هذه التجربة أكدت أن التنمية لا تُقاس بالأرقام فقط، وإنما بقدرة الدولة على وضع الإنسان في قلب المشروع الوطني مع احترام خصوصياته وظروفه المحلية. دار النقاش في المنتدى حول تعزيز الشراكات بين الصين والدول العربية ودور الشباب في دفع مشاريع التنمية المستدامة، ما جعل تجربة الصين مصدر إلهام لتونس والدول العربية والإفريقية.
النموذج الصيني في شينجيانغ: التنمية والحقوق والاستقرار
 
التجربة الصينية في إقليم شينجيانغ تعتمد على مقاربة ثلاثية الأبعاد للتحديث تشمل:
1. التنمية الشاملة: استثمارات واسعة في البنية التحتية، التعليم، الصحة، والصناعات المحلية، لتعزيز جودة حياة السكان وإشراكهم الفعلي في التنمية
2. الاعتراف بالحقوق: حماية الخصوصيات الثقافية واللغوية للمكونات المحلية، وتعزيز مشاركة المجتمع في صنع القرار
3. الاستقرار الاجتماعي والسياسي: ضمان الأمن والتماسك الاجتماعي كشرط لاستمرارية التنمية، مع سياسات داعمة للتماسك المجتمعي.
التنمية الحقيقية توازن بين الاقتصاد والإنسانية والسياسة، وهو درس يمكن الاستفادة منه لتونس، خصوصًا في المناطق الداخلية التي تحتاج إلى دمج اقتصادي واجتماعي فعال.
غوانغدونغ واستراتيجية المناطق الساحلية: التكامل والانفتاح
إقليم غوانغدونغ، المجاور لهونغ كونغ وماكاو، شكل نموذجًا للتكامل بين التنمية المحلية والانفتاح الدولي، ليصبح قطبًا صناعيًا وتجاريًا عالميًا.
تجربة غوانغدونغ تعتمد على:
-  الابتكار التكنولوجي والصناعي المتقدم.
- مرونة السياسات الاقتصادية لجذب الاستثمارات المحلية والدولية.
- التكامل مع المناطق المجاورة، ما يعزز التنافسية ويخلق منظومة تنموية متكاملة.
يمكن التفكير في المناطق الساحلية التونسية كمنصة تنافسية عالمية، مع استثمار المناطق الداخلية لتصبح شريكًا حقيقيًا في التنمية الوطنية.
 تونس: الاستلهام من التجربة الصينية
 
تونس تواجه تحديًا واضحًا في الفجوة التنموية بين الداخل والمناطق الساحلية التونسية، ما يجعل الحاجة ملحة لبرامج شاملة تستثمر في البنية التحتية والتعليم والصحة. المناطق الساحلية التونسية تتمتع بمؤهلات قوية، ويجب وضع استراتيجيات تجعلها قادرة على المنافسة الدولية.
الدروس المستفادة من النموذج الصيني تشير إلى أن:
 التنمية ليست توزيع مشاريع متفرقة، بل خطة متكاملة تربط كل المناطق معًا.
 الاستثمار في الإنسان وحقوقه يشكل أساس أي تطوير مستدام.
التوازن بين الداخل والمناطق الساحلية التونسية يعزز النمو الوطني ويحقق عدالة اجتماعية واقتصادية.
التجربة في المنتدى الصيني العربي الثالث للسياسيين الشبان
 
مشاركتي في المنتدى كانت فرصة لمعايشة التجربة الصينية عن قرب حيث ركزت كلمتي على تعزيز التعاون بين الصين وتونس وأهمية استلهام التجربة الصينية لتحقيق التنمية المستدامة في تونس كما تناولت المشاريع النوعية مثل مبادرة الحزام والطريق، وأهمية التكنولوجيا الحديثة في الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة. كما أشرت إلى دور الدبلوماسية الصينية في تعزيز السلام والاستقرار الإقليمي.
هذه التجربة أكدت أن التحديث الصيني النمط قابل للاستلهام عمليًا، وأن تونس يمكن أن تبني من خلاله رؤيتها التنموية بطريقة متوازنة ومستدامة.
 نحو شراكة تنموية تونسية-صينية
الاستفادة من التجربة الصينية تشمل تبني رؤية استراتيجية متكاملة تشمل:
- التعاون الاقتصادي والتكنولوجي في البنية التحتية والتعليم والتقنيات الحديثة
- التبادل الثقافي والعلمي بين الجامعات ومراكز البحث، لنقل الخبرات والتقنيات
- وضع خطط تنموية بعيدة المدى تراعي مصالح الشعبين وتحقق نتائج ملموسة
هذه الشراكة تعزز الصداقة الصينية-التونسية، وتخلق فرصًا للتنمية المستدامة، وتدعم الشباب التونسي في اكتساب مهارات جديدة وخبرة عملية.
وفي الختام فإن "التحديث الصيني النمط" يمثل نموذجًا تنمويًا متوازنًا وملهمًا يجمع بين التنمية الاقتصادية، الاعتراف بالحقوق، والاستقرار السياسي.
مشاركتي في المنتدى الصيني العربي الثالث للسياسيين الشبان، أكدت أن هذا النموذج قابل للاستلهام في تونس، خاصة في تقليص الفجوة بين الداخل والمناطق الساحلية التونسية، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وبناء اقتصاد تنافسي ومستدام.
دمج التجربة الصينية مع الرؤية التنموية التونسية يفتح آفاقًا واسعة، ويجعل من الصداقة الصينية–التونسية منصة عملية للتعاون والتحديث المشترك بما يحقق مستقبلًا أكثر إشراقًا لشعوبنا وللأجيال القادمة.
 
حسان يونس :كاتب سياسي