عاد الجدل في تونس مجددًا حول ظاهرة السوق السوداء لتذاكر العروض الثقافية، وهذه المرة عبر بوابة مهرجان قرطاج الدولي، الذي يشهد إقبالًا جماهيريًا لافتًا على عدد من سهراته، خاصة تلك التي تضم أسماء عربية لامعة مثل ناصيف زيتون ونانسي عجرم.
فقد انتشرت خلال الساعات الأخيرة صور لتذاكر هذه العروض على مواقع التواصل الاجتماعي، تُعرض بأسعار مضاعفة تتجاوز بكثير السعر الرسمي، ما أثار موجة غضب واستياء بين المتابعين الذين وصفوا الأمر بـ"الإقصاء الثقافي" وتحويل الفن إلى سلعة للنخبة.
"ما لقيناش التذاكر في المنصة، وبعد دقائق ولّينا نشوفوهم في الفيسبوك بأضعاف الثمن!" بهذه العبارات عبّر العديد من المواطنين عن إحباطهم، مشيرين إلى أن التذاكر تختفي بسرعة من المنصة الرقمية الرسمية للمهرجان، لتُعرض بعدها في مجموعات فيسبوكية من قبل باعة مجهولين، بأسعار "خاصة" تصل أحيانًا إلى 300 دينار للتذكرة، في خرق واضح لمبدأ تكافؤ الفرص في النفاذ إلى الثقافة.
ورغم أن الظاهرة ليست جديدة، إلا أن صمت إدارة المهرجان حتى الآن زاد من حدّة التساؤلات، وسط دعوات للكشف عن مدى تأمين منظومة البيع الرقمي، والتحقيق في احتمال وجود اختراقات أو تواطؤ داخلي يسهل تسريب التذاكر خارج المسارات الرسمية.
ويأتي هذا الجدل في وقت يعيش فيه مهرجان قرطاج الدولي حالة من الزخم الجماهيري، بفضل برمجته المتنوعة التي تمزج بين نجوم الساحة العربية وأبرز الأسماء التونسية، ما يجعل الضغط على منصة البيع الرقمية أمرًا متوقعًا، لكنه لا يبرّر في رأي الكثيرين هذه الفوضى في عملية التوزيع.
ويُذكر أن المهرجان كان قد تعرّض في دورات سابقة لانتقادات مماثلة بسبب نفس الظاهرة، دون أن تُتخذ إجراءات صارمة لوقفها وهو ما دفع عددًا من المهنيين والناشطين الثقافيين إلى طرح حلول عملية، من بينها ربط التذكرة باسم صاحبها ومنع إعادة بيعها، على غرار ما هو معمول به في مهرجانات عالمية كبرى، حفاظًا على عدالة الوصول إلى الفعل الثقافي.
"الثقافة حق، موش امتياز للي يدفع أكثر"، بهذه الجملة لخّص أحد المتابعين الموقف العام، في انتظار تحرك رسمي من إدارة المهرجان والجهات المعنية، لوضع حد لهذا النزيف الذي يهدد صورة أحد أعرق المهرجانات التونسية .